الكأس الفارغة
أكثرا لناس يعتقدون أنهم أحرار وحريتهم هي سيدة القيم، منتهى المرام وقدس الأقداس. وهم في حالهم تلك سَكرى بسحر الخلاص غاية الثَّمِل، ملتذون.. فيما يشبه الرعشة.
..ولقد تأملت الحياة فوجدت أن حظنا من الحرية ضئيل....فعاداتنا إنما نأتيها بلا اختيار، نحن خاضعون فيها لسلطان لا يقاوم..هو إفراز غددنا ...جنود تقهرنا قهرا وترغم أنوفنا فنسلم لها مذعنين... هرمونات تجعلنا نجوع ونشبع، ننام و نستيقظ، نرغب ونزهد، نغضب ونرضى، نفرح ونبتئس، نتزاوج ونتوالد.
..و فوق هذا طَبْعُنا الذي هو جملة غرائزنا، يجعلنا نزهو بأنفسنا شغفا، نحسد غيرنا أَثَرَةً، نبخل بما لدينا حرصا ونمد أيدينا إلى ما لغيرنا طمعا.
...ونظرت إلى أزماننا ومواطنانا، أصولنا ومعادننا، أشكالنا وألواننا، فوجدت أننا أجبرنا عليها إجبارا.
و خلال ذلك كله نكابد أحوالا تجري علينا شئنا أم أبينا إذ اختير لنا الوجود، دون إرادة منا. ثم نفارق الدنيا على مضض دون أن نختار متى ولا كيف ولا أين... فبعد هذا أي مقدار من الحرية بقي لنا....أخشى ألا تكون الحرية إلا كأسا فارغة، الكل يريد أن يشرب منها...
ما لي أن أزعم هو أنني لست حرا إلا.. في أن أسقط، فأُخَيَّرَ بين أن أقوم أو أبقى حيث سقطت..